اقتصاد بريطانيا في الاتجاه الصحيح
أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس أنها تريد من بلادها «أن تنجز الأمور بأسلوب مختلف».وفي مؤتمر حزب المحافظين في برمنجهام الأسبوع الماضي، اعترفت تراس بأن جهودها لتحقيق ذلك أحدثت تقلبات كبيرة في السياسة والسوق، وقالت: «كلما حدث تغيير يكون هناك اضطراب». وهذا تقليل من فداحة الأمور. وفي رد فعل على مقترحاتها لخفض الضرائب ودعم تكاليف الطاقة، انخفض الجنيه الإسترليني وارتفعت عائدات الذهب، وأعرب الاقتصاديون عن قلقهم بشأن استدامة ديون المملكة المتحدة، ودعا بعض المعلقين السياسيين إلى إنهاء رئاستها للوزراء بسرعة.
لكن الأسواق والمعلقين بالغوا في رد فعلهم، لأن الكثير مما اقترحته تراس معقول تماماً.إن رئيسة الوزراء محقة تماماً في التركيز على النمو الاقتصادي، فبريطانيا هي الدولة الوحيدة في مجموعة الدول السبع التي يشهد اقتصادُها اليوم تراجعاً مقارنةً بما كان عليه في الربع الأخير من عام 2019، قبل جائحة فيروس كورونا. في الفترة التي سبقت الوباء، كان اقتصادها يحقق نمواً بمعدل سنوي أقل من 2% في معظم الوقت. ومن المرجح أن تعزز العديدُ من مقترحات رئيسة الوزراء النموَّ الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمار الخاص في بريطانيا، والذي كان منخفضاً بشكل مقلق لسنوات ومتخلف في ذلك عن الدول الأخرى.
ستلغي الخطةُ الضريبية الحكومية زيادةً مقررة في معدل الضريبة على الشركات إلى 25% مقابل 19% وستعمل على زيادة مؤقتة في بدل الاستثمار السنوي، مما يسمح للشركات بخصم التكلفة الكاملة للمصانع والآلات المؤهلة حتى مليون جنيه في السنة الأولى. ومن شأن هذه التغييرات، من خلال زيادة العوائد بعد الضرائب، أن تعزز الاستثمار على المدى الطويل، والذي بدوره من شأنه أن يعزز الإنتاجية.
هناك حاجة ماسة إلى هذا، لأن نمو الإنتاجية الضعيف يهدد الأجورَ والدخولَ والتنقلَ. بالإضافة إلى ذلك، تدعو خطة تراس إلى مراجعة طرق توسيع الإعفاء الضريبي لنفقات البحث والتطوير كطريقة لدعم البحوث الأساسية التي تعزز الازدهار على المدى الطويل، كما تتضمن رفع القيود. وعلى سبيل المثال، ستقوم تراس بتسريع إنجاز مشاريع البنية التحتية من خلال تقليل نطاق تقييمات الأثر البيئي. كما ستخفض الضريبة على المعاملات العقارية، مما يخلق سوقَ إسكان أكثر مرونةً ويَزيد الكفاءةَ الاقتصادية وتنَقُّل العمالة. الأجزاء الأكثر إثارة للتساؤل في الخطة هي التخفيضات الضريبية على الدخل.
إن تخفيض المعدل الأساسي لضريبة الدخل بمقدار نقطة مئوية واحدة، إلى 19%، سيؤدي إلى تأجيج الاستهلاك في وقت يحاول فيه بنك إنجلترا كبح التضخم. لكن بعد الخطاب الذي أثير خلال انتخابات القيادة حول استقلالية البنك المركزي، كانت رئيسة الوزراء واضحة: «من الصواب أن يتم تحديد أسعار الفائدة بشكل مستقل من قبل بنك إنجلترا وأن السياسيين لا يتخذون قراراً بشأن ذلك».
كان اقتراح رئيسة الوزراء بإلغاء شريحة ضريبة بنسبة 45% على الدخل الذي يزيد على 150 ألف جنيه إسترليني سنوياً، بزيادة 1.1%، غير حكيم في البيئة المالية والاقتصادية الحالية، وبسببه تعرَّضت لانتقادات شديدة وتم إلغاؤه في نهاية المطاف. وقالت تراس: «فهمت ونظرت في الأمر». ومن الصعب على الاقتصادي أن يستوعب دعم الطاقة، من خلال حماية الجمهور من الأسعار المرتفعة، لأن ذلك سيقلل من الحافز لتغيير السلوك: إطفاء الأنوار عند مغادرة الغرفة، وارتداء سترة إضافية.
لكن الدول الأوروبية الأخرى تنتهج سياسات مماثلة على نطاق واسع، ولا توجد ببساطة حلول جيدة للحكومة عندما يرتفع متوسط فواتير الطاقة المنزلية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وهذه الإعانات ليست حافزاً اقتصادياً، إنها فقط تنقل مسؤولية امتصاص تكاليف الطاقة المرتفعة من القطاع الخاص إلى القطاع العام. لذا فهناك أسباب مشروعة للقلق والنقد. لكن بريطانيا لا تنهار، بل هناك في الواقع عوامل كثيرة لدعمها.
ولحسن الحظ، يبدو أن المبالغة قد هدأت واستقرت الأسواق، فبعد تدخل بنك إنجلترا لتوفير السيولة الطارئة للنظام المالي وقرار الحكومة بعدم إلغاء معدل 45%، استعاد الجنيه خسائرَه، وأصبح معدل الاقتراض البريطاني لمدة 10 سنوات أقل من نصف نقطة مئوية فوق سعر الصرف في الولايات المتحدة، وهي فجوة صغيرة نسبياً. لكن الاستقرار لا يكفي، فقد فشل طرح الخطة وخلق أزمةَ مصداقية للحكومة. يجب على تراس وكواسي كوارتنج، وزير الخزانة، إقناع الأسواق والجمهور بأن خطتهما معقولة.
إنهما بحاجة إلى توضيح سبب كون دعم الطاقة هو الأفضل من بين مجموعة من الخيارات السيئة، ولماذا ستعزز التغييرات الضريبية والتنظيمية النمو.تتطلب المصداقية منهما أيضاً أن يذكرا بوضوح أين يخططان لخفض الإنفاق للتحرك نحو التوازن المالي. وتحتاج الحكومة إلى بلورة خططها لتحرير رعاية الأطفال والزراعة والبنية التحتية والإسكان واستخدام الأراضي. في برمنجهام، أوضحت تراس الرؤية: «النمو المنخفض ليس مجرد أرقام في جدول بيانات».
والواقع أن النمو البطيء يعني فرصاً أقل للتقدم الاقتصادي. إنه يعني الصراع على التوزيع. وهذا يعني أن مواهب العمال غير مستغلة بالكامل وطاقتهم غير مستغلة. إنه يعني تطلعات خافتة وأحلاماً أكثر تواضعاً للمستقبل. أجندة تراس الاقتصادية هي عمل مستمر. لقد بدأت بداية سيئة، لكن من خلال التركيز على النمو، من الواضح أن رئيسة الوزراء تدفع بريطانيا في الاتجاه الصحيح.
مايكل آر سترين*
*مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان إنتربرايز.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»